جامعة الأزهر- غزة
كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية
قسم العلوم السياسية
برنامج الماجستير
بحث بعنوان:
الصراع العربي-الإسرائيلي صراع دولي
اسم الطالبة: ريم مطلق وشاح
مدرس المساق: الاستاذ دكتور/ كمال الأسطل
مساق: نظريات في العلاقات الدولية
غزة – فلسطين
2007-2008 م
الفصل الأول
يعد الصراع والوجود البشري متلازمة منذ الأزل وإلى الأبد، وأكدت هذه المتلازمة الشرائع السماوية، ونظَّرَّت عنها المدارس الفلسفية، وتناولتها العديد من الدراسات المتخصصة بالتحليل والنقد عن ماهيتها، وأسبابها، وآفاقها، بغض النظر طبيعة كل صراع. وكان العامل المشترك الأساسي في جميع الصراعات المختلفة وجود الإنسان كطرف في الصراع، وعليه، لا يمكن أن يوجد صراع دون إنسان يحركه بناءً على مداخل عدة يكون الإنسان ركيزتها.
ودرباً على هذا، لا يمكن أن تصارع أيديولوجيات أيديولوجيات أخرى، دون أن يكن هناك مَن يعتنق هذه الأيديولوجيات، الذين تتناقض رؤيتهم ومصالحهم وأهدافهم إلى درجة توصل إلى صراع أيديولوجي دولي.
ومن هنا، يمكن الانتقال إلى مفاهيم أساسية لهذه الدراسة، والتي من خلالها يمكن التطرق تدريجياً إلى موضوع الدراسة، وهو الصراع الدولي.
“Conflict” الانجليزية و”Conflit” الفرنسية إلى الأصل اللاتيني “Conflictus” والتي ترجمت إلى العربية بمفردات: صراع، نزاع، تضارب، قتال، وشقاق، وتعني جميعها وجود اختلافات وتضارب، سواء كان في مواقف أومصالح أو أهداف ما. ولكن توجد اختلافات في العربية لمعاني هذه المفردات، والتي أقواها مفردة “صراع” الدالَّة على صرع الشيء، أي ضربه في مقتل. ومنها يستدل على أنه كل طرف في الصراع يريد أن يفني الآخر للحفاظ على بقاء نفسه. وهذا التقديم لمفهوم “الصراع” لُغوياً، يمكنه أن يوضح ما يقصد بالصراع
وبما أن العلوم السياسية هي أحد الفروع العلمية الإنسانية، والتي من موضوعاته الصراع، أصبح للصراع علم بذاته يسمى علم الصراع، “Conflictology”، وهو العلم المنهجي الذي بدأت أساساته تظهر بعد خمسينات القرن العشرين في أوروبا الغربية. وهو الذي يجعل من الصراعات مادته الأساسية لوصفها، وتحليلها، والتنبؤ بمستقبلها، ومعرفة مداخلها، ومراحلها، وأطرافها، وجميع المؤثرات فيها، والتي تبقى أحياناً عصيةً على التحليل.
وأما كلمة “نزاع” فيعود أصلها إلى الفعل نزع، أي أخذ بالقوة، ومن هنا لا يمكن استخدام كلمة نزاع كبديل لغوي أو رديف لكلمة صراع، وكذلك مفردة صدام، والتي تعني وجود عقبة ما تحول دون بلوغ الهدف، أو تعقد من مسألة بلوغ الهدف بسهولة.
يعد مفهوما الحرب والصراع مفهومان قريبان إلى حد الخلط بينهما على أنهما رديفين، ولكن الحد الفاصل بينهما هو أن الحرب شكلها واحد، يمارس فيها فعلياً العنف المسلح بين الاطراف المتحاربة، لتنتهي إما بنصر أو هزيمة وذلك بعد أن تستوفي الحرب مدتها الكافية. فلا يوجد في الحرب أنصاف نتائج، خاصة في النصر والخسارة. فالمناورة العسكرية في الحرب مطافها لصالح طرف ضد الاخر.
أما الصراع، فهو في أساسه يعتمد على تنافس بين المصالح الوطنية للدولة مع دولة أو دول أخرى، لهذا، فإن اختلاف الدول في استراتيجياتها، وخططها القومية، وقدراتها العسكرية والسياسية، وما تملكه من مقدرات وما تصوغه من أهداف تطوع من أجلها سياستها الخارجية تخلق حالة من الالتقاء مع بعض الدول، وفي نفس الوقت حالة من التنافر والتنازع مع دول أخرى.
وعليه، فإن دائرة الصراع أكثر اتساعاً وأطول بقاءً من الحرب، التي تعد جزءاً من جزيئات الصراع، كما هو الحال في الحرب الباردة التي هي أحد أشكال الصراع الدولي، حيث سيطرت على هذه الحرب التناقضات الايديولوجية بين الكتلتين الغربية والشرقية، وانتهائها لم يصل إلى حد استخدام العنف المسلح.
هناك مقولة مفادها “أن وجود فرد يعني سلام، ووجود فردين يعني صراع، ووجود أكثر من ذلك يعني تحالف” وقد أكدت نفسها هذه المقولة من خلال، النزعة الفردية التي يرى شخص ما في نفسه انسجام مع ذاته، وسرعان ما يصبح هذا الانسجام تناقض وتباين في حال وجود النظير، ومن ثم تتسع هذه الدائرة في التعارض التي لا بد وأن يكون فيها انسجاماً بين البعض لتصبح التكتلات واضحة المعالم ومن ثم تتحد جماعات مع بعضها البعض في وجه جماعات أخرى.
ومن هذا التقويم البسيط عن نفسية الانسان، يمكن تطبيق هذه التناقضات والانسجامات بين الدول التي هي من شخوص النظام السياسي الدولي.
وعليه، فقد عرفت العصور القديمة التنافرات والشقاقات والمنازعات إلى حدٍ بلغت فيها حروب قاسية ذهب ضحيتها بلدان بأكملها، وما فيها من مورد بشري ومادي، وفناء لحضارات وثقافات ومعالم أثرية.
فالصراعات البشرية كانت قديماً محدودة الأهداف، حيث تركزت حول زيادة تضامن وتكاثف الوجود الاجتماعي، وتوفير الحاجات المادية الضرورية للحياة، وكانت كلفتها بسيطة، سواء بالخسارة البشرية أو المالية، لأن أسلحتها كانت أيضاً بسيطة بين الأطراف المتصارعة. وبالتالي كان التكافؤ بين السلاح المستخدم والخسارة –في توازٍ- كماهو الحال اليوم، حيث تطور السلاح الفتاك واستخدام يزيد من تعداد الضحايا والخسارات البشرية والمادية.
ويبين من هذا أن الصراع كان قديماً يأخذ شكل القتال بالسلاح، حيث أن التقدم في التقنية المسلحة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حيث ظهور المفرقعات، والقذائف المعدنية، زاد من حدة ووحشية التدمير والقتل بين الأطراف المتصارعة، فقد كان الصراع يأخذ شكلين إما الفناء أو البقاء، لذا لم يعرف الصراع بين الأمم ذلك الوقت أشكاله المتعارف عليها اليوم، من دعائية، إعلامية، دبلوماسية، أيديولوجية، تسلحية، وما غير ذلك من أشكال.