الرئيسية / اصدارات / العولمة  The Globalization الأستاذ الدكتور/ كمال  محمد محمد  الأسطل

العولمة  The Globalization الأستاذ الدكتور/ كمال  محمد محمد  الأسطل

ثانيًا: أبعـاد العـولمة

لكي يتحقق مشروع العولمة على أتم وجه، لابد من نشر هذا النظام ليشمل كافة أنحاء الحياة الإنسانية، لذلك فقد حدد أصحاب هذا النظام أبعادًا جوهرية يتم تنفيذ العولمة من خلالها، فالعولمة هي تعقيل العالم بما يجعله يتحول إلى مجال واحد من العلاقات بين المجتمعات والأفراد. وفيما يأتي وقفة على كل بعض الأبعاد المتعلقة بالعولمة.

1- البعد الاقتصادي

     وهو البعد الأكثر بروزاً في أبعاد العولمة، إذ أن مفهوم العولمة قد كرسته اتفاقية اقتصادية هي الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات General Agreement for Trade and Tariffsالتي عرفت اختصاراً بالجات GATT.   

     وبناءً على هذه الاتفاقية، يتم إلغاء الرسوم الجمركية، وغيرها من القيود ليصبح العالم سوقًا واحدة، ومن ثم يتسنى للشركات أن تقيم المصانع، وغيرها من الأنشطة التجارية في أي مكانٍ شاءت من العالم، كما يمكن تحويل ملكية الدولة للقطـاع الخاص، في إطــار ما يسمى بـ (الخصخصة)، وتحرير أسواق المال والأوراق المالية من أيِّ قيود.

     ومن ثم فإن هذه الاتفاقية تتيح للدول الغنية ـ وهي صاحبة رأس المال ـ أن تسيطر على الدول الفقيرة من خلال شركاتها العاملة هناك.

كما أن الاستثمار الأجنبي سمة من سمات العولمة تحاول هذه الشركات الأجنبية السيطرة على اقتصاد العالم بصورة عامة واقتصاد الدول النامية خاصةً، وقد حاول الاقتصاديون إبداء ثلاثة آراء حول هذه الشركات :

1- أن الشركات المتعددة الجنسيات تجنى فوائد كبيرة من العولمة دون مساءلة من المجتمع الدولي وأن الانتقال الحر لرأس المال تقتصر فائدته على الرأسمالية العالمية والوطنية المرتبطة بها وعلى أصحاب بعض المهن العليا، وأن التسابق الدولي على جذب الاستثمار الأجنبي يلحق الضرر بالاقتصادات الوطنية.

2- الاستثمار الأجنبي عنصرًا داعمًا لعمليات التنمية وزيادة حجم الناتج المحلي الأجمالي في الدول المتقدمة والنامية على السواء، فضلاً عن رفع مستوى التعليم والارتقاء بالخدمات الصحية وتحسين البنية الأساسية؛ مما يفضى إلى تحسين ظروف ومستوى المعيشة في جميع الدول.

3- أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتجه إلى تنمية مناطق جغرافية معينة على حساب مناطق أخري في العالم.

2- البعد السياسي

     إن الحماية الاقتصادية التي تجدها الشركات الأجنبية داخل الدول، تنعكس على النظام السياسي لهذه الدول، إذ تؤدي إلى تقليص دور الدولة وتراجعه أمام تلك الشركات، التي تتحرك بدعم ومساندة القوانين الدولية، ومن ثم تتدخل الدول الأجنبية لحماية شركاتها، فتظهر انعكاسات ذلك على الأوضاع السياسية عامةً في الدولة، ويكون ذلك أكثر وضوحًا في الدول النامية، حيث يتم الحديث عن الديمقراطية، والحريات العامة، وحرية الإعلام. ويتبعه الحديث عن قوانين الدولة، وأنظمتها تجاه الأقليات، وحقوق الإنسان، والإرهاب، وغير ذلك مما يسفر عن الأهداف والأبعاد السياسية جرَّاء الاتفاقيات الاقتصادية.

3- البعد الثقافي

أن العولمة الثقافية هي الهدف النهائي والعولمة الاقتصادية والسياسية إلا وسائل للوصول إلى هذا الهدف، ومن الشواهد الواضحة على ذلك السعي إلى فرض القيم التي تحملها الثقافة الأمريكية اليوم على الأمم الأخرى، فمنزلة الثقافة من العولمة بمنزلة الرأس من الجسد.

والعولمة الثقافية تكون بترويج الأيديولوجيات الفكرية الغربية، وفرضها في الواقع من خلال الضغوط السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية أيضاً؛ وذلك في مجالات عدة كحقوق الإنسان، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، وحرية الرأي، وتستخدم في ذلك آليات ووسائل منها:

      أ – إصدار الصكوك والاتفاقيات الدولية المصاغة بوجهة نظر غربية والضغط من أجل التوقيع عليها، مثل (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مكافحة التمييز ضد المرأة.. إلخ). وهذه الاتفاقيات وإن كان فيها بعض الايجابيات إلا أن فيها جوانب سلبية تعود لخدمة الذين اصدروها.

      ب – إصدار القوانين من أجل استخدامها ضد دول العالم الثالث باسم حماية الأقليات، مثل قانون التحرر من الاضطهاد الديني الصادر عن الكونجرس الأمريكي.

            ج – إصدار التقارير الدورية للضغط الإعلامي والسياسي والاقتصادي على المجتمعات الأخرى، مثل إصدارات الكونجرس الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية الدورية، وإصدارات المنظمات العالمية الكبرى الدورية، بل حتى الشركات التي تعنى بالتصنيف الائتماني (أي الملاءة المالية) للدول؛ حيث تستغل لصالح الدول والبنوك والمؤسسات المالية الغربية.

4- البعد العسكري

عقب انتصار الرأسمالية واتجاه العالم إلى القطبية الأحادية، سارعت القوة الوحيدة أن تتدخل عسكريًا وأن تعيد أسلوب الاستعمار القديم، وهو الاحتلال العسكري المباشر، بالرغم من أن العلاقات بين القوي الكبرى وبين دول العالم كانت تتخذ شكل الأحلاف أو المعاهدات والاتفاقيات، وبمقتضى ذلك تحافظ القوة الكبرى على مصالحها في الدولة دون أن تتدخل مباشرة عسكريًا، وفي هذا توفير للنفقات ودرءً لاستفزاز المشاعر الوطنية في الدول النامية، ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي سقطت كل المحاذير التي كانت تحول بين التدخل المباشر في الدول النامية وانفتح الباب واسعًا أمام هذه التدخلات واستعمال القوة المفرطة وقتل أكبر عدد من الأفراد، وتعزي الأسباب في ذلك تصدير السلاح إلى هذه الدول بوتيرة متسارعة بحيث أصبحت تجارة السلاح سمة أساسية في عالم العولمة، فعملت العولمة على تنظيم هذه التجارة وفقًا لمصالحها، وعمدت القوي الكبرى إلى أن تغض بصرها عن إمداد الدول النامية بسلاح يقتصر استخدامه على حرب الطوائف والأعراق والقبائل داخل الدولة.

افتح الصفحة التالية للمزيد....

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

العولمة Globalization

...