الرئيسية / اصدارات / العولمة Globalization

العولمة Globalization

العولمة Globalization

MondalisationUniversalizationModernizationwesternization-CapitalizationAmericanization

أ‌.      د. كمال محمد محمد  الأسطل

By Professor Doctor KAMAL M.M. ALASTTAL

مقدمة

إن آثار العولمة لم تعد مقتصرة على تأثير واحد وهو الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي فقط، بل تعداه إلى نطاقات أوسع، وهذه الآثار إيجابية أو سلبية قد أثرت على العالم أجمع، حيث تعمل العولمة بتأثيراتها السلبية على زيادة الهوة بين المجتمعات، حيث تكون العولمة في هذا الصدد سلبية على الطرف الأضعف الذي يكون تابعًا للطرف الأقوى بينما التأثير الإيجابي للعولمة يكون بالاستفادة من النواحي التنموية التي تسهم في التطور، وفي تكريس التواجد على الساحة العالمية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

أولاً: مفهوم العولمة

يطرح روبرت هولتون “Robert Holton” في تناوله للعولمة مشيرًا إلى أن عمليات التغير التي قادت إلى العولمة أخذت شكلاً تراكميًا حيث كانت هناك عولمات صغيرة سابقة للعولمة الموجودة في الوقت الحالي، من بينها التوسعات الإمبريالية، والتجارة التي أدت إلى نقل البضائع والثقافات، وانتشار الأديان بالإضافة إلى تجارة الرقيق، وكلها سمات للتاريخ الإنساني منذ الالاف السنوات، وبالإضافة إلى دور الغرب في ذلك هناك اسهامات العرب والمسلمين وشعوب البحر المتوسط.

وفيما يتعلق بظهور العولمة كمفهوم، فإنه يعود إلى مرحلة الستينيات، حيث يعد عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان M.Mcluhan””  هو أول من أشار إلى مفهوم “القرية الكونية”.

تعددت مفاهيم العولمة وفقا للكثير من الكتاب والباحثين والعلماء والسياسيين، إذ ينظرون لها حسب اختصاصاتهم وتوجهاتهم الفكرية والعلمية والسياسية؛ لذا فإن إعطاء تعريف دقيق للعولمة تبدو حالة معقدة لأنهم يفسرون العولمة من خلال ما أفرزته من تخيلات وتصورات وتفسيرات ايديولوجية، وبشكل عام يمكن تعريف العولمة على أنها “اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة ضمن إطار رأسمالية حرية الأسواق، وتاليا الى اختراق الحدود القومية والى الانحسار الكبير في سيادة الدولة”.

     ونرى ثمة فرقاً بين العالمية والعولمة، فالعالمية تفتح الخصوصية، وترتقي بها إلى ما هو عالمي وكوني، أي أنها تعتبر قاسماً مشتركاً، تنفذ من خلاله رؤية تعبر عن وجهة نظر تستوعب جميع الثقافات والتكتلات والآراء، في إطار التساوي في التعايش بين بني الإنسان. أما العولمة فهي تعبِّر عن وجهة نظر خاصة تريد أن تبسط سيطرتها على الرؤى الأخرى على المستوى الإقليمي أو العالمي.

تعريفات عديدة للعولمة

يشتق مصطلح العولمة في اللغة الإنجليزية من كلمة globalization  والمنسوبة إلى كلمة كوكب ولذلك يسميها البعض الكوكبة، الكوننة، الأمركة، التغربب Westernization وبالفرنسية تنسب إلى كلمة  Monde العالم والعولمة بالفرنسية هي Mondalisation إلا أن مصطلح العولمة طغى على غيره من التعبيرات. حتى مفهوم الأمركة Americani أخيرا يعرف الأستاذ ما قروMagrew العولمة بأنها “عملية يصبح بموجبها للأحداث والقرارات والنشاطات في مكان ما من العالم نتائج مهمة للأفراد ومجتمعات في أمكنة أخرى بعيدة”

أما بالنسبة لتعريف العولمة ومفهومها فهي مصطلح معرب من كلمة ” Globalization ” التي تعني وفقا لقاموس وبستر أنها إكساب الشيء طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا وعلى الرغم من حداثة هذا المصطلح الذي ظهر خلال التسعينات إلا أن لكل باحث لهذا الموضوع تعريفا خاصا به، ومن هذه التعريفات ما يلي:

  1. تبادل الثقافي والتجاري وغيرها للتقارب والاستفادة المتبادلة.
  2. التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية.
  3. مرحلة جديدة من مراحل  بروز وتطور الحداثة تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي.
  4. إخضاع العالم لقوانين مشتركة تضع حدا فيه لكل أنواع السيادة.
  5. سيادة النمط الغربي فى الثقافة والاقتصاد والحكم والسياسة فى المجتمعات البشرية كلها.
  6. توجه ودعوة إلى صياغة حياة الناس لدى جميع الأمم ومختلف الدول وفق أساليب ومناهج موحدة بين البشر وإضعاف الأساليب والمناهج الخاصة.

وخلاصة هذه التعريفات بأنها، التوجه الأيديولوجي لليبرالية الجديدة التي تركز على قوانين السوق، والحرية المطلقة في انتقال البضائع والأموال والأشخاص والمعلومات في الاقتصاد، وعلى فكرة الديمقراطية في البعد السياسي، وعلى مفهوم الحرية والمساواة المطلقة في البعد الاجتماعي والأخلاقي.

        نستنتج من التعاريف السابقة مجموعة نتائج أساسية هي:

  1. أن التعاريف، ورغم وضعها في فترة متزامنة جاءت متباينة من حيث الشمولية والجزئية ومن حيث المنطلق والهدف. وهذا الإختلاف في التعاريف أدى بالنتيجة إلى اختلاف في المواقف بشأن العولمة بين مؤيد أو معارض أو متحفظ. كما سنرى ذلك لاحقا.
  2. أن كل كاتب يقدم تعريفا يتماشى وتصوراته للظاهرة ضمن اختصاصه مما يجعل من العولمة وكأنها تطور طبيعي وآلي بل وحتمي.
  3. أن التعاريف تختلف في تكييف العولمة. فهل هي ظاهرة أو عملية تحول متنوعة ومتعددة الجوانب أو وسيلة أو مرادف للخوصصةPrivatization… الخ.
  4. أن الاختلاف في التعاريف أدى إلى اختلاف في الأطروحات: هل المقصود من العولمة توحيد العالم؟ وهل ستكون فيه أمريكا كدولة مهيمنة؟ وهل للعولمة نتائج سلبية أو إيجابية أم معا؟ هل العولمة في النهاية تؤدي إلى زوال السيادات وزوال الدول وحلول الفوضى محل النظام؟
  5. أن الاختلاف في التعاريف ترتب عنه اختلاف حول ملامح أو مظاهر العولمة من جهة واختلاف حول تراتبية تلك الملامح، وخاصة بين الملامح الاقتصادية والملامح القانونية والسياسية مثل تراجع وظيفة الدولة أو انهيار الدولة في حد ذاتها أو عولمة الاقتصاد.
  6. أن بعض التعاريف تقوم على نعوت معينة للعولمة كوصفها بالظاهرة ألما-بعدية. أي ما بعد الإمبريالية، وما بعد الاستعمار، وما بعد الحرب الباردة أو تلك المنظمة المتكاملة من العلاقات النفعية التبادلية القائمة على الاستلاب والاحتكار والاحتلال والقمع لفترة ما بعد الثنائية القطبية. أي فترة الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية، مما يجعل الكثير يذهب إلى التأكيد بأن العولمة شرا أكثر منها خيرا لمعظم البشرية حيث أنها تنمي الفوارق والتخلف وتعمم الفقر،وتقوم على مبدأ « كثيرا من الربح وقليلا من المأجورين”كما يؤكد ذلك الدكتور الجابري.  وهي من كل هذا ليست نظاما اقتصاديا فقط، ولكن نظاما أيديولوجيا ونظاما يقفز على الدولة والأمة والوطن. والعولمة في الأخير تعمل على التهميش والإقصاء. والتفتيت، ورفع الحواجز والحدود أمام الشركات والشبكات الدولية الاقتصادية منها والإعلامية لتمارس سلطتها بوسائـل خاصة ولتحل محل الدولة في ميادين المال والاقتصاد والإعلام، وتؤدي إلى انحسار دور الدولة السياسي لتصبح مجرد شرطي أي خادم لها. كما تحول الدولة إلى جهاز لا يملك أدوات القيادة والتوجيه. وتكون السياسة الخارجية من عمل مؤسسات دولية بصورة مباشرة وعلى رأسها مجلس الأمن والمؤسسات الاقتصادية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
  7. أن بعض التعاريف، وخاصة الأجنبية منها “بريئة” أكثر مما يجب لأن العولمة في الواقع أكثر شراسة مما يظهر في بعض التعريفات كما يقول الدكتور هندي إحسان. وينطبق هذا خاصة على تعريف الكاتب الفرنسي دولفوس وتعاريف كل من يتغنى بالعولمة ويتباهى بها مثل الكاتب الأمريكي داني رودريك.
-4-

 

  1. أن هناك اختلاف بخصوص حداثة أو عدم حداثة مفهوم العولمة.

 

ثانيًا: أبعـاد العـولمة

لكي يتحقق مشروع العولمة على أتم وجه، لابد من نشر هذا النظام ليشمل كافة أنحاء الحياة الإنسانية، لذلك فقد حدد أصحاب هذا النظام أبعادًا جوهرية يتم تنفيذ العولمة من خلالها، فالعولمة هي تعقيل العالم بما يجعله يتحول إلى مجال واحد من العلاقات بين المجتمعات والأفراد. وفيما يأتي وقفة على كل بعض الأبعاد المتعلقة بالعولمة.

1- البعد الاقتصادي والأدوات التي تستخدمها العولمة في سبيل تحقيق أهدافها.

يرتكز النظام الاقتصادي العالمي إلى ثلاثة أركان أساسية هي: نظام النقد الدولي، ونظام الاستثمار الدولي، ونظام التجارة الدولي، يقوم على إدارتها ثلاث مؤسسات اقتصادية دولية هي: صندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية.وذلك من خلال دورها في مراقبة وضبط السياسات النقدية والمالية والتجارية، وما يحقق هذا الدور من الانسجام والنمطية في القواعد والمعايير المستخدمة في مختلف دول العالم ، وما يوفره من إزالة للقيود والعقبات المعرقلة للنشاط الاقتصادي بين مختلف دول العالم.

 

     وهو البعد الأكثر بروزاً في أبعاد العولمة، إذ أن مفهوم العولمة قد كرسته اتفاقية اقتصادية هي الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات General Agreement for Trade and Tariffsالتي عرفت اختصاراً بالجات GATT.   

     وبناءً على هذه الاتفاقية، يتم إلغاء الرسوم الجمركية، وغيرها من القيود ليصبح العالم سوقًا واحدة، ومن ثم يتسنى للشركات أن تقيم المصانع، وغيرها من الأنشطة التجارية في أي مكانٍ شاءت من العالم، كما يمكن تحويل ملكية الدولة للقطـاع الخاص، في إطــار ما يسمى بـ (الخصخصة)، وتحرير أسواق المال والأوراق المالية من أيِّ قيود.

     ومن ثم فإن هذه الاتفاقية تتيح للدول الغنية ـ وهي صاحبة رأس المال ـ أن تسيطر على الدول الفقيرة من خلال شركاتها العاملة هناك.

كما أن الاستثمار الأجنبي سمة من سمات العولمة تحاول هذه الشركات الأجنبية السيطرة على اقتصاد العالم بصورة عامة واقتصاد الدول النامية خاصةً، وقد حاول الاقتصاديون إبداء ثلاثة آراء حول هذه الشركات :

1- أن الشركات المتعددة الجنسيات تجنى فوائد كبيرة من العولمة دون مساءلة من المجتمع الدولي وأن الانتقال الحر لرأس المال تقتصر فائدته على الرأسمالية العالمية والوطنية المرتبطة بها وعلى أصحاب بعض المهن العليا، وأن التسابق الدولي على جذب الاستثمار الأجنبي يلحق الضرر بالاقتصادات الوطنية.

2- الاستثمار الأجنبي عنصرًا داعمًا لعمليات التنمية وزيادة حجم الناتج المحلي الأجمالي في الدول المتقدمة والنامية على السواء، فضلاً عن رفع مستوى التعليم والارتقاء بالخدمات الصحية وتحسين البنية الأساسية؛ مما يفضى إلى تحسين ظروف ومستوى المعيشة في جميع الدول.

3- أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتجه إلى تنمية مناطق جغرافية معينة على حساب مناطق أخري في العالم.

2- البعد السياسي

     إن الحماية الاقتصادية التي تجدها الشركات الأجنبية داخل الدول، تنعكس على النظام السياسي لهذه الدول، إذ تؤدي إلى تقليص دور الدولة وتراجعه أمام تلك الشركات، التي تتحرك بدعم ومساندة القوانين الدولية، ومن ثم تتدخل الدول الأجنبية لحماية شركاتها، فتظهر انعكاسات ذلك على الأوضاع السياسية عامةً في الدولة، ويكون ذلك أكثر وضوحًا في الدول النامية، حيث يتم الحديث عن الديمقراطية، والحريات العامة، وحرية الإعلام. ويتبعه الحديث عن قوانين الدولة، وأنظمتها تجاه الأقليات، وحقوق الإنسان، والإرهاب، وغير ذلك مما يسفر عن الأهداف والأبعاد السياسية جرَّاء الاتفاقيات الاقتصادية.

3- البعد الثقافي

أن العولمة الثقافية هي الهدف النهائي والعولمة الاقتصادية والسياسية إلا وسائل للوصول إلى هذا الهدف، ومن الشواهد الواضحة على ذلك السعي إلى فرض القيم التي تحملها الثقافة الأمريكية اليوم على الأمم الأخرى، فمنزلة الثقافة من العولمة بمنزلة الرأس من الجسد.

والعولمة الثقافية تكون بترويج الأيديولوجيات الفكرية الغربية، وفرضها في الواقع من خلال الضغوط السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية أيضاً؛ وذلك في مجالات عدة كحقوق الإنسان، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، وحرية الرأي، وتستخدم في ذلك آليات ووسائل منها:

      أ – إصدار الصكوك والاتفاقيات الدولية المصاغة بوجهة نظر غربية والضغط من أجل التوقيع عليها، مثل (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مكافحة التمييز ضد المرأة.. إلخ). وهذه الاتفاقيات وإن كان فيها بعض الايجابيات إلا أن فيها جوانب سلبية تعود لخدمة الذين اصدروها.

      ب – إصدار القوانين من أجل استخدامها ضد دول العالم الثالث باسم حماية الأقليات، مثل قانون التحرر من الاضطهاد الديني الصادر عن الكونجرس الأمريكي.

            ج – إصدار التقارير الدورية للضغط الإعلامي والسياسي والاقتصادي على المجتمعات الأخرى، مثل إصدارات الكونجرس الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية الدورية، وإصدارات المنظمات العالمية الكبرى الدورية، بل حتى الشركات التي تعنى بالتصنيف الائتماني (أي الملاءة المالية) للدول؛ حيث تستغل لصالح الدول والبنوك والمؤسسات المالية الغربية.

4- البعد العسكري

عقب انتصار الرأسمالية واتجاه العالم إلى القطبية الأحادية، سارعت القوة الوحيدة أن تتدخل عسكريًا وأن تعيد أسلوب الاستعمار القديم، وهو الاحتلال العسكري المباشر، بالرغم من أن العلاقات بين القوي الكبرى وبين دول العالم كانت تتخذ شكل الأحلاف أو المعاهدات والاتفاقيات، وبمقتضى ذلك تحافظ القوة الكبرى على مصالحها في الدولة دون أن تتدخل مباشرة عسكريًا، وفي هذا توفير للنفقات ودرءً لاستفزاز المشاعر الوطنية في الدول النامية، ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي سقطت كل المحاذير التي كانت تحول بين التدخل المباشر في الدول النامية وانفتح الباب واسعًا أمام هذه التدخلات واستعمال القوة المفرطة وقتل أكبر عدد من الأفراد، وتعزي الأسباب في ذلك تصدير السلاح إلى هذه الدول بوتيرة متسارعة بحيث أصبحت تجارة السلاح سمة أساسية في عالم العولمة، فعملت العولمة على تنظيم هذه التجارة وفقًا لمصالحها، وعمدت القوي الكبرى إلى أن تغض بصرها عن إمداد الدول النامية بسلاح يقتصر استخدامه على حرب الطوائف والأعراق والقبائل داخل الدولة.

ثالثًا: مفاهيم استحدثتها العولمة

عملت العولمة على استحداث مفاهيم جديدة لم تكن موجود من قبل من أبرزها على سبيل المثال:

1- الأحزاب السيبرانية Cyber Parties هو نوع من الأحزاب السياسية الذكية التي تستخدم الانترنت في المشاركة السياسية، وبتكلفة بسيطة، وأنه يمكن الأحزاب الصغيرة من التواجد والانتشار الالكتروني، والتي يمكن لها بطريقه ما أن يؤدي بها الحال إلى منافسة حزبية.

2- الدولة الفاشلة failed Stateأنه بشكل عام يشير الى حالة من الاخفاق الوظيفي تعاني منه الدولة تؤدي الى تأكل قدرتها وقدرة نظامها القائم على الحكم بفاعلية وكفاءة، وهو ما ينتج عنه في أكثر حالاته سقوط وانهيار الدولة. فعلى المستوى الداخلي، وعلى المستوى الدولي، يتمثل الفشل في تراجع قدرتها على التفاعل مع الوحدات السياسية كعنصر دولي كامل الأهلية.

3- الدولة المفترسة predatory State : يُعد الافتراس من إحدى المنظورات مكونًا رئيسيًا لحالة التنمية، ومن منظور آخر يمكن وضع الافتراس في مساره الجيد ومساره السيء. ونقدم التعريف الأكثر وضوحاً للدولة المفترسة بأنها: الدولة التي تفترس مواطنيها الذين يقيمون فيها وتقوم بسلب ممتلكاتهم المشتركة وتقديم القليل لهم في صورة خدمات يتم تقديمها، إن إحدى المسارات الناتجة عن هذا التعريف هي دراسة سبب انتهاج بعض القادة السياسيين لسياسات التي تعتبر غير أخلاقية لتعظيم وزيادة الموارد المتاحة ويقر هؤلاء القادة بأن تحسين رفاهية المواطنين قد يحدث تحولاً جوهريًا في السلطة السياسية مما قد يهدد بقائها، وقد استنتج هؤلاء القادة بأن الاحتفاظ بالقوة والسلطة ودعم التنمية الاقتصادية يعتبران هدفان متداخلان مشتركان وهو التناقض الذي يشير إلي العديد من الحالات الجوهرية.

 

4- الجوهرانية: تعني وجود جوهر واحد ممتد للمجتمع هذا الجوهر يتسم بكونه لازماني ولا تاريخي ومنسجم، وهو أساس وجود أي مجتمع، وتقوم سياسات الهوية على الحفاظ على ما تراه هذا الجوهر الذي يجب ألا يتغير أو يتبدل، وبالتالي تنفي عنه التعدد أو الاختلاف أو التغير، وبالتالي تتخيل تيارات الهوية وجود جوهر أسطوري ممتد.

5- النكتة السياسية Political joke: تعد النكتة السياسية أكثر الأساليب دلالة على التعبير عن رغبات الأفراد ودوافعهم وطموحاتهم، فالنكتة مثلها مثل أى رسالة أو ظاهرة اجتماعية توفى ببعض الوظائف الخاصة بالأفراد وتستخدم أساليب معينة لها محتواها الخاص ولها دلالتها الخاصة. ومن ثم تعد النكتة السياسية مقوم هام من مقومات الشخصية بما لها من دور وظيفى وسلوكى فى التفاعل مع الأحداث السياسية ولهذا فالنكتة السياسية وجهان:

الأول: حفظها للذات لأنها تنفس عنها وتعوضها شعورًا بالاستعلاء على الطرف الآخر الذى تنتقده.

الثاني: أنها عامل تعويضي، إذا تصرف الانفعال الإيجابي، خاصة فى المواقف التي يستطيع الانفعال أن يوقف التمادي فيها، وهى تصرف الانفعال بإثارة الضحك الذى يحدث خلخلة فى صرامة الموقف فتضعف ناره. وبعدها نشعر بالسلبية والتفريط فنستعلى عليها بالإفراط في المباهاة والتزيد في الحديث والمبالغة في التصرف، مما يكبدنا في حياتنا اليومية الكثير في سبيل مظاهر خارجية نتوسع فيها بقدر رغبتنا في تأكيد الذات.

6- الجيوش الإلكترونية Electronic armies : هم مجموعة من الأشخاص يعملون وفق أجندة خاصة لصالح جهات سياسية أو أمنية. يعملون عن طريق إنشاء حسابات بأسماء وهمية وإدارتها عن طريق روبوتات لتشارك في النقاشات، ويدعمون أوسمة معينة لإيصالها إلى المراتب الأولى، ويخترقون مواقع إلكترونية لشخصيات ومؤسسات ودول. تهدف هذه الجيوش إلى تضليل الرأي العام وتشكيله أو توجيهه وتروج للإشاعات ولبعض الأفكار والتوجهات.

7- التدخل الإنساني Humanitarian Intervention: هو عمل إرادي ومنظم تقوم به وحدة سياسية دولية – دولة، منظمة دولية، أو مجموع ما ذكر– لتقديم المساعدات الإنسانية الى ضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي هي من صنع الإنسان، بما في ذلك حالات الطوارئ المعقدة، على اساس قصير الأجل واساس طويل الأجل بما في ذلك وسائل الإكراه السياسية بدءاً من ابسط اشكال الحرب، كالحرب النفسية مروراً بالدبلوماسية فالاقتصادية ونهاية بالعسكرية، بقصد إنقاذ الارواح والتخفيف من المعاناة والحفاظ على الكرامة الإنسانية.

8- العولمة الثقافية  Cultural globalization: تعني انتقال الأفكار والمعاني والقيم إلى جميع أنحاء العالم لتوسيع وتعزيز العلاقات الاجتماعية. وتتميز هذه العملية بالاستهلاك والاستخدام الشائع للثقافات المنتشرة والمتعارف عليها عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والسفر عالمياً.

9- الموضة السياسية Political Fashion :  تلك الأفكار والبرامج السياسية التي يكون لها شهرة في وقت وجيز دون تحقيق الاستمرارية لأسباب عدة ، يقابلها أي ـ موضوع السياسة ـ قوة سياسية ذات أسس قوية ديمقراطية تعكس بشكل أو أخر حاجيات المجتمع.

10- التسويق السياسي Political Marketing : هي عملية متواصلة ومستمرة لتخطيط وتنفيذ وتقويم البرامج السياسية بما يساعد على إشباع احتياجات ورغبات المواطنين لضمان النجاح للأحزاب والمرشحين في البيئات السياسية المختلفة.

11- مذهب المركانتيلي Merchantilism: مذهب اقتصادي أثر على السياسة بشدة وخصوصًا في مجال تكوين الدولة الإقليمية وما انطوى عليه من مشاعر جديدة تتعلق بهذه الدولة وتتخذ من الملوك رمزًا لها وما صاحب ذلك من فكر سياسي ارتبط أساسًا بالنظام الملكي المطلق.

12- فينومينولوجياPhenomenology : تسمى الظاهراتية، وهي القابلية للتطبيق على الظواهر الاجتماعية والسياسية ذات الطبيعة النفسية المركبة على نحو يسمح للملاحظ بإدراك بنائها أو نوع تنظيمها الداخلي، وذلك في تجربة إدراكية واحدة.

13- أتيميا Atimia: مصطلح يقصد به انخفاض مكانة الدولة، أي تعرضها للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مما يخفض مكانتها عند باقي الأمم.

14- التوتاليتارية Totalitarianism: مصطلح يعبر عن النزعة الأفلاطونية التي تعلن أن (السلطان الكلي يكون للدولة)، من خلال نظام قانوني شديد صارم وغير مرن، وهو عكس الفوضوية.

15- الحتمية المفرطة Over determination: وهو مصطلح يعنى أن الكثير يجري هناك ، بمعني أن اللاقوي الفاعلة في التاريخ لا تعمل بمفردها ، إذ قد يؤدي عدد كبير من القوى الاجتماعية إلى انتاج حدث واحد والمصطلح يعنى تضافر القوي أو تشابكها لتؤدي إلى أثر محدد.

16- الطوطمية Totemism  : مصطلح مرتبط بالشمولية Totalitarianism ويتوسط بين إلحاق ضررTorts والشمولية، وتوصف به بعض المجتمعات ذات الاتجاه الشمولي.

17-السياسة الفاجرة Bawdy Policy والأحزاب والدكاكين السياسية  الفاجرة Bawdy Parties and Political Shops والدولة الفاجرةBawdy State

الدولة الفاجرة هي دولة ضعيفة ومستبدة بطبيعتها، لكن أهمّ ما يميزها هو استعداد النظام الذي يحكمها لتدمير الدولة التي يدعي رعايتها للحفاظ على نفسه. الدولة هنا لا تترك لشعوبها خياراً غير إسقاطها حتى لو أدى ذلك لتفكيك مؤسساتها، هي بالنسبة لشعوبها دولة محتلة من عدو خارجي لا يمكن الوصول معه لحلول وسط، لأنه لا يمانع في دمار الدولة إن لم يكن هو على رأسها. هذه الدول بكل تأكيد “فاجرة”. عادة من يقف على رأسها يتميز بالتسلط و الكذب والانحطاط والبذاءة السياسية وفبركة  وافتعال الأزمات وإرهاق الناس والاستهتار بحياة المواطنين. الحفاظ على الحاكم والنظام بكل السبل  والأساليب وأدوات حتى و إن كانت غير أخلاقية وفقا للمبدأ الميكافيللي المشهور “الغاية تبرر الوسيلة”.. ينطبق على حكامها وأتباعهم وأنصارهم صفة المنافقين “إذا خاصم فجر”…كلامهم معسول وكذب معقول. حكامها وأنصارهم يتبعون التقية السياسية والتقية الدينية.يظهرون ما لا يبطنون..تمارس الباطنية السياسية والدينية. هناك فجوة شاسعة بين الأقوال والأفعال..بين النظرية والتطبيق..الكذب والخداع والتضليل والقمع والاستبداد وعدم قبول الآخر. هذه السمات تنطبق على كثير من الدكاكين السياسية التي تمارس جميع أشكال “الفجور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والديني…”. يكفي أن نتأمل ما يحدث في القارة العربية من الانتقال من الفجور السياسي إلى حالة “القتل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي الدعائي….”.. الفجور السياسي يمارس  في الساحة الفلسطينية التي “أغرقت” في “بئر من الوحل السياسي”  Political Mud  ..بعض أصحاب  وإتباع الدكاكين السياسية الفلسطينية نموذج واضح …بعض برامج الدعاية السياسية في الفضائيات العربية والإذاعات العربية أو الناطقة باللغة العربية تشكل نموذجا صارخا “للفجور ” السياسي والدعائي والتضليل وتمزيق الجسد العربي الواحد.. تمارس سياسية رسمها الإستعمار “فرق تسد”” Divide and Rule ..

خصائص وسمات الدولة الفاجرة والسياسة الفاجرة والدكاكين السياسية الفاجرة

1-     ضعف القدرة الاقناعية ًWeakness of Convincing capabilities  لدى أصحابها فيلجئون للفجور وسياسة الصوت العالي والشتائم والسباب في محاولة “لمداراة” العجز والضعف.

2-     العقم والعنانة السياسية Political Impotency..حيث يصاب الحزب أو الدكن أو النظام لسياسي بحالة من العقم وعدم الحراك السياسي والشلل السياسي.

3-                 النزعة الإتهامية  Policy of Accusation  لكل من يخالف النظام أو الحزب أو الدكان السياسي..تشمل الاتهامات بمختلف لأشكال ونوع التكفير -التخوين والعمالة والرجعية والاستبداد والفساد والقمع والظلم..الخ.

4-                 عبادة المسئول أو صاحب الدكان السياسي Holy leadership …أتباع الدكاكين السياسية وخاصة لداكين الدينية أو الأيديولوجية يعتبرون  قادة الحزب أنهم يمثلون “رسل الحق والحقيقة والصواب المطلق”Absolute Rightness ..وغيرهم يمثل الكذب والفسق والكفر والعلمانية والخيانة…

5-                 العقلية المغلقة Closed-Mindedness…تعيش قيادات وأنصار الدكاكين السياسية الفاجرة حالة من انغلاق العقل وعدم قبول العقلية المتفتحة Open-mindedness على كل المتغيرات والمستجدات في المستويات المحلية والداخلية والإقليمية والدولية والعالمية.

6-                 القمع الفكري والسياسي والأمني..وتخصيص الأموال العامة في خدمة الدكان السياسي وأتباعه.وإتباع سياسة امتلاك كل شيء..وتطبيق شعار “كل شيء مباح لنا محرم على غيرنا”.. الدين لنا..الحقيقة لنا..الحق لنا..الصواب لنا…خصخصة المال العام ليكون مالا خاصا..

7-                 البذاءة السياسية وغياب الأخلاق السياسية والدينية والإجتماعية في الخطاب الحزبي ..حتى أن  كثير من أتباع الأحزاب الدينية يخلعون الخطاب الديني السمح في تعاملهم مع الآخرين..  وينزلون بمستوى خطابهم إلى الحضيض السياسيPolitical bottom.

8-                 الفشل دائما نجاح والبقاء نجاح والهزيمة انتصار..بقاء الحزب سالما هو معيار النجاح وعيار النصر ومعيار الحكمة ومعيار كل شيء..

 

تلتقي اسياسة الفاجرة والدوة الفاجرة في سمات كثيرة مع الدولة المارقة Rogue State,  والدولة الفاحشة Vulgar State.

مفاهيم أخرى تتعلق بالعولمة

ثقافة العولمة أم عولمة الثقافة Global Culture Vis a vis Culture of Globalization

الحضارة والخصوصية Civilization and Cultures

العولمة والصراع الهوياتي Identity Conflicts

الانفتاح العقلي Open-mindedness  مقابل الانغلاق الفكري Closed-Mindedness

الأحزاب السيبرانية Cyber Parties

الدولة المفترسة Predatory state

الدولة الفاجرة The Bawdy  state

الجيوش الالكترونية Electronic Armies

الأمن الإنساني Human Security

الأمن الالكتروني ُElectronic Security

امن المجال الانترنتي Cyber Security

العالمية مقابل العولمة Universalization versus globalization

العالمية مقابل الدولية Universalization versus Internationalization (inter-states)

الابتلاع الحضاري Cultural Melting

الديناميكا السياسية Political Dynamics

الكيمياء السياسية Political Chemistry

الفيزياء السياسية Political Physics

الحساب السياسي Political Mathematics

البيولوجيا السياسية Political Biology

الموضة السياسية Political Mode

النكتة السياسية Political Joke

البذاءة السياسية Political Impoliteness

العقم السياسي Political Impotency

الإرهاب والعولمة Globalization and Terrorism

التوظيف السياسي والأمني للمخدرات في العلاقات الداخلية والعالمية Political and Security of Drug-Use and Trafficking in Internal and International Relations

هندسة الجهل وإعادة هندسة الجهل في العلاقات الداخلية والخارجية Engineering and Re-Engineering of Agnotology

الهندسة السياسية Political Engineering

الهندسة الدبلوماسية وفن الإتيكيت وآداب المجاملة والبرتوكول والمراسم Diplomatic Engineering

رابعًا: العولمة بين فاعلية التراث والفعل الحداثي (الأصالة والمعاصرة)

إن للعولمة أهدافًا اقتصادية وسياسية وثقافية، وإن ناتج الأهداف الثقافية أكثر ضررًا على حياة الأمم، وهذا ظهر في سعى العولمة إلى نشر العولمة لمفاهيم ومصطلحات جديدة تنقض الأصول المرتبطة بحياة الأمم وبشخصيتها المعنوية وهويتها، وإلى ابتكار أساليب جديدة تؤدي إلى إلغاء الخصوصية القومية وإلى خلق قطيعة بين الشعوب وتراثها.

تركز أهداف العولمة على تشويه العلاقة بالتراث، لأن التراث هو ذاكرة الأمة التاريخية والثقافية والعلمية والفنية، وهذه الذاكرة تصنعها الأجيال وفق ما تؤمن به من قيم وعادات وتقاليد وتصورات ورؤي يؤرخ بها لنبض شعوب حية تجعل من تراثها هوية ثقافية تتمايز بثقل نوعي، وهذا الثقل النوعي يمنح الأمم وجودها وثباتها ويحميها من التحول إلى ورقة تقذف بها المؤثرات الخارجية إلى حيث شاءت.

يربط رواد الحداثة الفعل الحداثي بالدعوة إلى الثورة والتمرد، لكونها تشكل حدثًا جديدًا وحتميًا تفرضه صيرورة الحياة. ولذلك فإن هذا التمرد يهدف إلى البناء والتأسيس، بقدر ما يهدف إلى الهدم والتغيير، والبناء والتأسيس يحتاجان إلى أصل ثابت وقوي يكون منطلقًا لأي حراك فاعل غايته خلق مسارات جديدة ومغايرة وقادرة على الثبات والإبداع.

 

خامسًا: قراءة سيكولوجية للعولمة

إن العولمة نجحت في أن تخلق داخل المجتمعات حالة أقرب ما تكون بحالة التعليم الغرضي Purposive Learning  على النحو التالي:

1- نتيجة الزخم الإعلامي للعولمة يشعر الفرد بأنه في حاجة إلى إشباع دافع أو رغبة معينة (الحلم الأمريكي- قيم واتجاهات العولمة).

نظرًا لحاجة الاحتياج، يبدأ الفرد في التفكير في كيفية الوصول إلى هذا الهدف (مع إغفال للشروط التي يجب أن تتوفر لديه لتحقيق هذا الهدف)، وهذا هو الدور المهم الذي تقوم به وسائل الاتصال التي تصور الوصول إلى الرغبات والإشباعات عملية سهلة وميسرة ومن ثم تعزل عملية الإشباع عن شروطها.

3- هنا يبدأ الفرد في إجراء عدد من المحاولات للوصول إلى الهدف المرغوب، بل ويحطم كل معوقات الوصول إلى الهدف سواء أكان تدميرًا مشروعًا أو غير مشروع (أشبه بحالة المدمن).

4- في حالة تحقيق الهدف، فإن الفرد يشعر بالارتياح وهنا تعمل قوانين (التكرار – الحداثة- التدريب – الأثر).

5- وعندما يتحدث مع الآخرين عن ارتياحه يجد أن الجميع يشاركونه نفس الارتياح ونفس الحاجة والرغبات (يتفعل قانون التعميم) عن طريق (Talk show- Chat).

سادسًا: العولمة وإعادة تشكيل وظائف الدولة

فيما يتعلق بالوظيفة الجديدة التي بدأت تلبسها الدولة المحلية وتتبناها، وهي وظيفة لم تعد الدولة معها فاعلاً أو حكمًا لا في إنتاج وإعادة إنتاج القيمة على المستوى الدولي فحسب (قد تلعب الدولة هذا الدور ولكن هامشيًا وبصورة غير مباشرة) بل وعلى صعيد المنافسة الدولية أيضًا، بحكم تصاعد أدوار الفاعلين “الجدد” حيث يتجسد تصاعد هذه المعايير، ومن بين ما يتجسد فيما يلي:

1 – سقوط ما يسمى “محرمات الوحدة الترابية ” لا بحكم ممارسات الشركات عبر الوطنية وإسهامات تكنولوجيا الإعلام والاتصال فحسب، ولكن أيضًا بحكم تراجع القواعد والنواميس التي كانت إلى عهد قريب تحمي الدولة القطرية وتضمن سيادتها؛ فالقواعد التي كانت تحصن الدولة من الانهيار القطرية وتضمن سيادتها ؛ وتحمي حدودها انهارت وشاهدنا سقوط إمبراطوريات من دول متعددة القوميات وولادة دول جديدة، ونعيش اليوم انفجارًا ضخمًا في عدد الدول، فصار مقبولاً إعادة رسم حدود دولة أو تقسيم أخرى بعدما كانت موازين وقواعد معينة تحمى دولا هشة من هذا المصير.

ومع تآكل قدسية الدولة ككيان فقد تآكل ما هو أسهل من ذلك وهو قدسية السيادة، وصارت هنالك جرأة أكبر مع المعطيات الجديدة للتدخل تحت عناوين كثيرة أو لتسويغ التدخل وتقييد سيادة الدولة. ومعنى ذلك أن الحدود الجغرافية التي كانت أحد مقومات الدولة والسيادة، بدأت تتآكل بحكم الاتجاهات نحو تقنين السيادة المحدودة وكذلك انتصار “قيم ومعايير عالمية” تدفع باتجاه “تقزيم” الدولة والسطو على مكونات سلطاتها الجغرافية والبشرية، وكذلك احتكار العنف الشرعي، من قبيل بروز قانون دولي لحماية البيئة وحماية الجماعات المستضعفة والمضطهدة وغيرها.

2- نشوء التكتلات الاقتصادية الكبرى بين الدول والفضاءات الجغرافية وما ترتب على ذلك من نتائج تمثلت بالأساس في انهيار حاجز المسافات بينها مع ما يعنيه ذلك من تزايد إمكانيات التأثير والتأثر المتبادلين، وإيجاد نوع جديد من التقسيم الدولي للعمل الذي يتم بمقتضاه توزيع العملية الإنتاجية الصناعية بين أكثر من دولة بحيث يتم تصنيع مكونات أي منتج نهائي في أكثر من مكان واحد. وقد انعكس كل ذلك – بلا شك – على تراجع بعض مفاهيم علم الاقتصاد التقليدي ونظرياته، وعلى تضاؤل دور الدولة من خلال سياسات الاقتصاد المخطط وإحلال دور القطاع الخاص محل القطاع العام في العديد من الدول.

أن مفهوم الدولة يعيش أزمة بسبب تعرض الدولة للمنافسة من قبل لاعبين يزدادون عددًا وقوة، فالعالم – الآن – إزاء ظاهرة شركات جبارة متعددة الجنسيات، وتعبر القوميات، وتعمل على تكييف محاولة تكييف مختلف النظم والسياسات الاقتصادية في العالم مع احتياجاتها هي، ومع تصورها لما يجب أن يكون عليه حال الأسواق، وهي إذ تتحكم في تكنولوجيا ثورة المعلومات والاتصالات من واقع الاستئثار بنصيب الأسد الذي تنفرد به في الإنفاق على البحوث والتطوير، تسعى لأن تفرض على اقتصاديات ودول ومجتمعات العالم أن تعيد التكيف مع ظاهرة ومعطيات العالم الجديد تحت مسمى “العولمة”.

 

سابعًا: العولمة والحديث عن نهاية الجغرافيا

أدت التطورات التكنولوجية المتسارعة إلى تسريع وتيرة تدفقات العولمة في وسائل الإعلام والاتصال وزيادة الترابط والاعتماد المتبادل الدولي في الميدان الاقتصادي، لكن نتيجة لحالات الدمار الناجمة عن النزاعات والحروب خاصة الداخلية في أكثر من بلد بسبب الإفرازات السلبية للعولمة أصبحت الحاجة إلى التحليل الجيوبولتيكي هامة لتناول قضايا العالم المعاصر.

ويظل العامل الجغرافي الأكثر أهمية في التحليل والتفسير كونه الأكثر ديمومة، فكل الظواهر تتطور وتتقدم وتتراجع، لكن موقع القارات والمحيطات والجزر والبحار لم تتغير كثيرًا عبر تاريخ البشرية المسجل. فرغم وصول تدفقات العولمة إلى مستويات متقدمة وإقامة شبكات معولمة ومعقدة فإن كل هذه المظاهر لم تنل من الافتراضات النظرية للجيبولتيكا.

فالجغرافيا لم تنته كما ادعت بعض اطروحات العولمة، وتبعًا لذلك تظل الجيواستراتيجيا رهينة بالجغرافية حيث تجسد وتنفذ السياسات الاستراتيجية للدولة أو تقاوم فيها سياسات التحالف بين الدول، وقد أثبتت الأحداث الحالية أن الجغرافيا تظل مهمة، وأن جنبًا مهمًا في فهم الصراعات قائمة بشكل أساسي على عنصر الجغرافيا.

ثامنًا: خيارات مواجهة العولمة

1- على المستوى الوطني: حتمية الإصلاح الإداري والسياسي والتعليمي: حيث تكمن أهمية إصلاح الأجهزة الإدارية والحكومية بوصفها العصب الأساسي للدولـة، وهـو مـا  سيحصن أجهزة الدولة ومؤسساتها لتكون أقدر على التكيف مع المتغيرات الجديدة. كما أن إصـلاح سياسات التعليم والتدريب والتأهيل يمثل عنصراً جوهرياً في هذا الإطار، لأنه سـيخلق قـوة عاملـة مدربة ومؤهلة وقادرة على استيعاب التطورات المرتبطة بظاهرة العولمة. كما أن تطوير سياسات نقل التكنولوجيا وتوطينها يعد من متطلبات تهيئة الدول لعصر العولمة. فضلاً عن ضرورة الإصلاح السياسي بوصفه ركيزة أساسية في أية استراتيجية إصلاح داخلي، ويتمثل في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي بصورة تدريجية وتراكمية. ويعد تحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة ظواهر الفساد السياسي والإداري المدخل الحقيقي لبناء دولة المؤسسات وتحقيق سـيادة القـانون، وترشيد عملية صنع السياسات والقرارات.

2- على المستوى الإقليمي: ضرورة تفعيل هياكل التكامل الإقليمي وسياساته: نظراً إلى عمق التحديات التي تطرحها العولمة ومحدودية قدرات دول الجنوب عموماً والدول العربية خصوصاً على التعامل معها فرادى، فإن تطوير سياسات التكامل الإقليمي بين هذه الدول فـي إطـار المناطق والنظم الإقليمية التي تشملها أصبح ضرورة، ولاسيما أن الدول العربية لا تنقـصها هياكـل التكامل، ولا التصورات والأفكار والبرامج، بل ما ينقصها هو إرادة التكامل. وقـد تكـون التحـديات المشتركة التي تمثلها العولمة بالنسبة إلى الدول العربية هي مدعاة لاتخاذ خطـوات عربيـة جـادة وحقيقية على طريق عمليات التكامل العربي والتكتل الإقليمي فيما بينها.

3- على المستوى العالمي: ضرورة العمل على إيجاد نظام عالمي أكثر عدلاً وديمقراطية، كـون فيـه الدول العربية طرفاً مشاركاً فيه وليس على هامشه، ويتم في إطاره ترشيد عملية العولمة، والوقوف مع دول الجنوب في مواجهة التحديات المزمنة التي تعاني منها، والتصدي للمشكلات العالمية العابرة للحدود.

تاسعا: المواقف المؤيدة والمعارضة والوسطية تجاه العلولمة

(أولا) الموقف المؤيد للعولمة  :

        إن هذا الإتجاه المعجب بالغرب والتغني بحضارته والتباهي بانحلاله يعتبر أن العولمة ظاهرة إنسانية إيجابية تهدف إلى التقارب بين الشعوب والثقافات المختلفة والعمل على تطويرها في اتجاه العالمية والإنفتاحية.

        في المجال السياسي يتوقع أن تؤدي العولمة إلى تحقيق مجموعة من النتائج مثل:

  1. سقوط الشمولية والنظم السلطوية والتسلطية وخاصة في القارة الأوربية نتيجة لتوفر العديد من العوامل المساعدة على ذلك كوجود معارضة حقيقة. ولكن ما أثر العولمة على النظم السلطوية خارج أوربا؟ وهل ستتأثر فعلا بعملية التعولم ومتى سيحدث ذلك؟
  2. الانفتاح على مختلف الأفكار والتخلص من الولاء الأعمى والضيق كالتخلص من الثقافة القبلية أو ثقافة الدولة-الأمة والتحلي بالثقافة العالمية أو الثقافة البشرية. ما أسهل أن نقول ذلك وما أصعب رؤية ذلك في الواقع الدولي!؟
  3. النزوع إلى الديمقراطية والتعددية السياسية الحقيقية وليس الشكلية، والتي تضمن المشاركة الواسعة في إدارة شؤون الدولة وبالتالي تجسيد مفهوم التداول الحقيقي للسلطة في ظل احترام اختيارات الشعوب وسيادتها.
  4. عقلانية العلم وحياد الثقافة. وهذا يبدو أنه ضرب من الخيال نظرا لاستحالة تحقيق ذلك.
  5. احترام حقوق الإنسان وتعزيزها. ولكن كيف سيتم ذلك، وما هي الشروط الضرورية لتحقيق ذلك؟

(ثانيا)الموقف الوسطي تجاه العولمة :

        إن هذا الاتجاه يعتمد على العقلانية والواقعية السياسية في التعامل مع ظاهرة العولمة دون الانبهار بها كلية ودون رفضها دفعة واحدة ويرى أن العولمة ليست قضية أو مسألة واقع فرض نفسه، وما على الدول إلا التعامل مع هذه الظاهرة بحذر وانتقاء قدر الإمكان.

إلا أن هذا الاتجاه، والذي يوصف أحينا بالإصلاحي، متهم بأنه مبالغ في الحذر والتروي والانتظار دون أن يحدد لنا مدة الانتظار كم يستغرق مما يجعل قطار العولمة يفوت دون الاستفادة منه وحينها يمكن أن ينطبق عليه مقولة الاقتصادي الأمريكي ليستر ثوري ” إن عدم المشاركة في اختراع العجلة ليس أمرا مزعجا ولكن المزعج هو التأخر ولو للحظات عن استخدام العجلة بعد اختراعها.

(ثالثا)الموقف المعارض للعولمة

        ينطلق هذا الاتجاه من منطلق أن العولمة هي فكرة وتصور أكثر مما هي واقع اللهم في بعض جوانبها مثل الجانب الاقتصادي.  وفي مقابل ذلك يسجل مجموعة من الملاحظات المخيفة مثل:

  1. أن العولمة التي نتحدث عنها اليوم ليست وليدة الساعة ولا هي ناتجة لانهيار الثنائية القطبية ولكن نتاج تراكمي لمجموعة تغيرات في البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتي صاحبت الرأسمالية في مسارها التاريخي وخاصة من القرن السابع عشر والذي تزامن مع ظهور الدولة والتنافس الرأسمالي وبداية انتشار الثورة الصناعية.
  2. أن العولمة ظاهرة إستلابية وقاتلة للثقافات التي تصنع الحضارات كما أنها تدعو إلى إلغاء الدول الوطنية والشخصية الوطنية والمجتمعات القومية وبالتالي تدعو إلى بناء مجتمع دولي بل مجتمع عالمي خالي من الحدود والقيود مما يعني الوصول إلى مرحلة الفوضى في أسوأ تقدير وهيمنة ثقافة معينة ونظام معين ودولة معينة في أحسن تقدير.

       تلك هي المواقف الثلاثة بخصوص العولمة ونحن إذ نميل إلى الموقف الرافض العولمة، إذا كانت أداة هيمنة وإقصاء، من الضروري المشاركة وبحذر في صنع عالم العولمة من جهة ودراسة هذه الظاهرة بتمعن من جهة ثانية. وهذا حتى لا يتكرر ما حدث عندما تم صياغة القواعد القانونية الدولية ومبادئ العلاقات الدولية في القرن الماضي ومنتصف هذا القرن.

انتهى

أ.د. كمال محمد محمد الأسطل

www.k-astal.com

 

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

العولمة مفهومها وأبعادها  Globalization 

...