الرئيسية / اصدارات / الباحث بين التحيز والموضوعية Researcher between Subjectivity and Objectivity

الباحث بين التحيز والموضوعية Researcher between Subjectivity and Objectivity

الباحث بين التحيز والموضوعية

Researcher between Subjectivity and Objectivity

الاستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل

By Prof. Dr. KAMAL M M ALASTAL

الباحث الموضوعي يجب أن يكون كالطيار الذي يرصد ظاهرة: متصل ومنفصل عن الظاهرة..متصل بالظاهرة من حيث بالملاحظة ومنفصل عن الظاهرة بمشاعره وميوله وأهوائه وأفكاره وأيديولوجيته وعقيدته الفكرية.

 يرى علي صديقي أن مفهوم  «التحيز» يعد  أحد المفاهيم المركزية في الثقافة العربية عامة،  إذ إنه رغم عدم استخدام الثقافة العربية هذا المصطلح للدلالة على معناه، فإنها –بالمقابل- استخدمت جملة من المصطلحات التي ترتبط به وتدور في فلكه، مثل «الهوية»، و«الخصوصية»، و«المحلية»، وغيرها. بل إن حديث هذه الثقافة عن «التقريب»، و«التأصيل»، و«التبيئة»، و«التكييف»، وغيرها من المفاهيم المماثلة التي شاع استخدامها في الفكر العربي، هو إقرار بالتحيز والخصوصية؛ إذ لا معنى للحديث عن التأصيل دون أن يسبقه إقرار بتحيز المعرفة التي يسعى الباحث إلى تأصيلها.

أولاً: مفهوم التحيز في الثقافة العربية

1- التحيز لغة

التَّحَيُّزُ مصدر الفعل تَحَيَّزَ، وتدل استعمالات مادته (ح.و.ز)، في المعاجم اللغوية العربية، القديمة والحديثة، على جملة معانٍ، لعل أهمها: الدلالة على الانضمام، والامتلاك، والمكان. يقول ابن فارِس (توفي 395ﻫ): «الْحَاءُ والْوَاوُ والزَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْجَمْعُ والتَّجَمُّعُ، يُقَالُ لِكُلِّ مَجْمَعٍ وَناحِيةٍ: حَوْزٌ وَحَوْزَةٌ، وَحَمَى فُلانٌ الْحَوْزَةَ، أَيْ المَجْمَعَ والنَّاحِيةَ… وكلُّ مَن ضَمَّ شيئًا إلى نفسِه فقد حازَهُ حَوْزًا… والحُوزِيُّ من الناس: الذي يَنْحَازُ عنهم ويعتزُلهم».

ويقول ابن منظور (توفي 711ﻫ) في لسان العرب: «… انْحازَ الْقومُ: تَرَكُوا مَرْكزَهم ومَعْركةَ قِتالِهم ومَالُوا إلى مَوْضعٍ آخر. وتَحَوَّزَ عنه وتَحَيَّزَ إذا تَنَحَّى… والْحَوْزُ: الْجَمْعُ. وكلُّ من ضَمَّ شيئًا إلَى نفسِه مِن مالٍ أَو غيرِ ذلك، فقَدْ حازَهُ حوْزًا وحِيازَةً… وكلُّ ناحيةٍ على حِدَةٍ حَيِّز… والحَوْزَةُ: النَّاحيةُ».

أما «المعجم الوسيط»، فقد اكتفى باستعادة ما ورد في المعاجم القديمة، ولم يضف إلى الكلمة معنى جديداً، عدا تلك الدلالة السياسية الحديثة، وقد جاء فيه: «…(حَازَ) الشيءَ حِيازَةً: ضَمَّهُ ومَلَكَه… (وانْحَازَ) القَوْمُ: تَرَكُوا مركَزَهُم إلَى آخَر… (الانْحِيازُ): الانْضِمامُ. وسياسةُ عدمِ الانْحِيازِ (في الاصطلاح الحديث): عَدمُ الانضِمَامِ إلى فريقٍ دونَ فَريقٍ… (الحَوْزَةُ): النَّاحيةُ… (والحَيِّزُ): المَكَانُ».

ووردت كلمة «التحيز» في القرآن الكريم بصيغة اسم الفاعل، بمعنى المائل إلى غيره، المنضم إليه. يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ.﴾ (الأنفال: 16).

وقد فسر محمد بن جرير الطبري (توفي 201ﻫ)، قوله تعالى: ﴿مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾، بقوله: «صائراً إلى حيز المؤمنين». وأضاف: «والمتحيز: الفارّ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره أو أصحابه».

وردد ابن كثير (توفي 774ﻫ) التفسير نفسه، حيث فسر الآية بقوله: «أي فر من هاهنا إلى فئة أخرى من المسلمين يعاونهم ويعاونونه». ونقل عن الضَّحاك قوله: «المتحيز الفار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه».

السابقة Prev1 صفحات 3
افتح الصفحة التالية للمزيد....

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*