منهج تأصيل وتحليل علم الاجتماع السياسي
تداخل العلوم الاجتماعية وصعوبة الفصل التام بينها وظهور العلوم الجسرية Bridge-Sciences أو “العلوم البينية” التي تجمع بين علمين
الاستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل
By Prof. Dr. KAMAL M M ALASTAL
تأصيل مولد علم الاجتماع السياسي
لقد رجع المؤرخ البريطاني ستيفن رونسيمان Runsciman Steven مولد علم الاجتماع السياسي إلى تلك اللحظة من تاريخ الفكر السياسي التي تم فيها التمييز بين الظواهر الاجتماعية والظواهر لسياسية، عندما أصبح مفهوم المجتمع المدني متعارض مع مفهوم الدولة. وقد أرجع ذلك بتقرة الأربعينيات أو الخمسينيات من القرن التاسع عشر عندما كتب كارل ماركس نقد لكتاب هيجل “فلسفة القانون”، وكتب “فون شتاين” تاريخه عن الحركات الاجتماعية في القرن التاسع عشر، على أساس أن ذلك التمييز كان أو لتصور أبريقي لذلك التمييز.
وشارك رنسمان رأيه هذا “سيمور مارتن لبست S.M. Lipset ” وإن اختلف معه في جزئية ذلك التاريخ. فيرى “ليبست” أن أزمة الإصلاح الديني والثورة الصناعية وما ترتب على ذلك من خلق المجتمع الحديث أدى أيضا إلى ظهور علم الاجتماع السياسي. وأن تيار انهيار المجتمع التقليدي وسلطته التقليدية أدى ولأول مرة إلى ظهور النظرة العامة للفرق بين المجتمع والدولة.
تعريف علم الاجتماع السياسي
هذا الرأي السابق، به جانب من الصحة ، إلا أنا لا نوافق عليه بصفة مطلقة فعلم الاجتماع السياسي هو ذلك الحقل من حقول المعرفة الاجتماعية الذي يدرس الظواهر السياسية داخل الجماعة السياسية المسماة بالدولة من وجهة نظر مجتمعية دراسة إمبريقية علمية قد بدأت مادته في التكوين والتراكم منذ زمن طويل، وبشكل أكثر تحديدا منذ أفلاطون وأرسطو.
فمادة ذلك العلم بدأت في التكوين منذ بدأت النظرة إلى الظواهر السياسية تأخذ الزاوية المجتمعية بغض النظر عما إذا كان الناظر إلى تلك الظواهر يعني تماما الفرق بين المجتمع والدولة من عدمه، وقد اكتملت مقوماتها عندما أخذت الجانب الواقعي الإمبريقي العلمي
تأصيل طبيعة مادة علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي
1- إذا نظرنا إلى لكتابات السياسية نجد أنه في الإمكان أن نميز بين نوعين منها؛ (أ) بعضها يعالج الظواهر السياسية داخل الدولة ، (ب) وبعضها يعالج الظواهر السياسية المتعلقة بالعلاقات بين الدول ووحدات القانون الدولي العام والعلاقات الدولية (مثل المنظمات الدولية، الأحلاف، الشركات متعددة الجنسية، بابا الفاتيكان، حركات التحرر الوطني، الإنسانية، الفاعلون من غير الدول وبعض الجماعات المسلحة…الخ).
2- علم الاجتماع السياسي يهتم أساسا بدراسة الظواهر السياسية داخل المجتمعات السياسية المسماة بالدولة. وهذا يجعلنا أن نميز بين علمين منفصلين الأول علم الاجتماع السياسي، والثاني علم اجتماع العلاقات الدولية Sociology of International Relations الذي بدأ في الظهور و التطور في العقد السابع من القرن العشرين ، والذي يعتبر اقتراب سوسيولوجي Sociology للعلاقات الدولية.
3- أننا إذا أمعنا النظر في نظرة الفلاسفة والعلماء إلى الظواهر السياسية على مر الزمان نجد أنها تأرجحت بين محورين رئيسيين: (1) فهناك أولئك الذين ينصب اهتمامهم على المؤسسات باعتبارها أهزة السيطرة والحكم، وبذلك ركزوا اهتمامهم على المؤسسات السياسية باعتبارها أجهزة السيطرة والحكم، وبذلك ركزوا على سلوك الحاكم ، وعلى المؤسسات أو الأبنية الحكومية؛ (2) وهناك من يتعدى اهتمامهم ذلك الهدف القريب وينظرون إلى ما يكمن وراء ذلك من ظروف اقتصادية ،واجتماعية، تؤثر في الوقع السياسي. أو بمعنى مبسط وموجز فإن النظرة إلى الظاهرة السياسية قد تكون من زاوية الدولة State أو أنها قد تكون من زاوية المجتمع Society. والنظرة المجتمعية إلى الظاهرة السياسية هي من خصائص علم الاجتماع السياسي.
4- إن الدارسين للظواهر السياسية، يقتربون منها عادة بأحد الإقترابات الرئيسية الثلاث:
(1) الإقتراب الأول The First Approach : معياري Normative أو تقييمي مثالي فلسفي، لا ينظرون فيه إلى ما هو كائن فعلا What Is?، وإنما ينظرون إلى ما يجب أن يكون What is to be?
(2) الإقتراب الثاني The Second Approach، هو اقتراب قانونيLegal-Formal شكلي يركز على القواعد القانونية والإطار الرسمي سواء كان ذلك يمثل الواقع، أو يختلف عنه.
5- اقتراب علم الاجتماع السياسي هو اقتراب واقعي علمي لا يعطي اهتماما كبيرا للجانب الفلسفي المثالي، ولا للجانب القانوني الشكلي، بل أنه يقوم على أساس الدارسة الإمبريقية-التجريبية، ولا يصدر أحكاما تقييميه، إنما يحاول الوصول على قوانين علمية. ولكن يس معنى ذلك أن علم الاجتماع السياسي لا يهتم بمثل الجماعة أو بقيمها Values أو بالقوانين والإطارات الرسمية، ولكنه عند معالجته لمثل هذه الأمور فإنه يأخذها كمادة يخضعها للدراسة الوضعية الواقعية. فالقيم الاجتماعية Social Values ، في نظر علم الاجتماع السياسي، هي ضوابط غير رسمية لسلوك الإنسان تعكس واقع اجتماعي، وتتغير طبقا لتغير ذلك الواقع ، كما أنها (أي القيم والمثل) قد تكرس ذلك الواقع أو على الأقل تعوق تغييره…وكذلك الحال بالنسبة للقوانين ، إن هي إلا ضوابط سلوك رسمية تعبر عن ذلك الواقع الاجتماعي، وتتغير طبقا له، رغم أنها أيضا قد تعوق ذلك التغير.
(3) والاقتراب الثالث The Third Approach ، اقتراب واقعي Realistic علمي يقوم على الملاحظة المنظمة كما هو كائن فعلا مع الابتعاد عن الأحكام القيمية.