منهجية تحليل ظاهرة الموضة السياسية
Approach of Political –Mode- Phenomenon- Analysis
الاستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل
By Prof. Dr. KAMAL M M ALASTAL
ظاهرة الموضة: حامد ربيع وتأصيل المفهوم
– التعريف بظاهرة الموضة وخصائصها الاجتماعية والسياسية والأمنية
ينكر البعض –عن جهل أو قصد- وجود ظاهرة الموضة السياسية ، ورغم ذلك فقد شاءت الأقدار أن ندرس موضوع الموضة السياسية منذ عقود من الزمن على يد أستاذنا المرحوم العلامة حامد ربيع.
في عام 1974 تحدث أستاذنا المرحوم العلامة حامد ربيع عن ظاهرة الموضة كانعكاس لواقع حضاري اجتماعي اقتصادي …حيث أن كلمة الموضة تثير في الذهن لأول وهلة الرداء “الزي” وعندما تستخدم في المدلول المتداول ترتبط بالمرأة – على أن الواقع أن هذا تقييد لمفهوم اصطلاح أكثر اتساعا وشمولا . وهنا نقتبس من أستاذنا المرحوم حامد ربيع الذي قام بأول عملية تأصيل فكري لظاهرة الموضة. وبعود الفضل إليه في تقديم هذه الدراسة. وان كان هذا لا يمنع أن الكلمة بهذا المدلول تعكس في حقيقة الأمر المتغيرات الأساسية للظاهرة .
ويرى حامد ربيع فظاهرة الموضة تمثل احد تلك التعبيرات الجماعية التي تقودنا الى صميم جوهر الخبرة الاجتماعية في أكثر معانيها شعبية وعمومية . وهي كذلك تفتح لنا بابا يتقابل فيه السلوك الفردي بالسلوك الجماعي فهي من حيث جوهرها سلوك فردي ولكنها لا يمكن ان تفهم إلا إذا نظر إليها على أنها سلوك جماعي بل وعلى أنها ساسا فقط سلوك جماعي ، وان هذه الظاهرة هي التي تعلمنا كيف أن صورا سلوكية بعينها لمجرد انتمائها إلى الماضي وبغض النظر عن جوهرها أو عن أبعادها الوظيفية هي صور مرفوعة وغير مقبولة ، وعلى العكس من ذلك تصير نماذج أخرى لنجرد انتمائها للحاضر ليس فقط محببة وجميلة بل ومنطقية واجتماعية .
ويتساءل حامد ربيع ما الذي يقصد بكلمة الموضة في الاصطلاح العلمي ؟ يمكن أن تعرف الموضة بأنها تلك المجموعة من التقاليد والعادات المرتبطة بمظاهر وأساليب التعامل اليومي في العلاقات الاجتماعية ، بهذا المعنى ظاهرة الموضة تتصف بخصائص معينة :
أولا : أنها ليست قاصرة على الزي أو ما يتصل بالرداء ، أنها تتسع للتناول كل ما له صلة بالتفاعل الاجتماعيفالسكن والاستقبال وبصفة عامة كل مسارات التقابل الاجتماعي عامة أن الموضة ما هي إلا تعبير عن النظم الاحتفالية في أوسع معانيها .
ثانيا : أن ظاهرة الموضة لا تتضمن في الواقع حركة واحدة وإنما تتضمن حالتين متعارضتين : فريق يقبل على ظاهرة الموضة ليتشبه بالآخرين ، وفريق يتخلى عن موضة قائمة لأنه لم يعد يشعر بالراحة إزاء تشبه الآخرين بها ، وهكذا فان ظاهرة الموضة تعكس حركة نفسية مزدوجة ، من جانب التقليد والمحاكاة والرغبة في التشابه مع الآخرين ، ومن جانب أخر التحيز والمنافسة وعدم تقبل المفهوم الديمقراطي في أوسع معانية .
ثالثا : كذلك ظاهرة الموضة ظاهرة حضارية بل يومكن القول أن هذه الظاهرة تعكس الى حد معين بعض خصائص العقل الاجتماعي بل على الأقل يمكن إن توصف بأنها مظهر من مظاهر التعبير عن الطابع اليومي ، ورغم أن العالم المعاصر وقد ألقى الفوارق بين الشعوب وحطم الحواجز بين المجتمعات أضحى يتصف بعالمية الظواهر ، إلا أن دراسة المجتمعات القديمة في تقاليدها الاحتفالية يسمح باكتشاف بعض خصائصها الاجتماعية ، فالشعب الياباني مثلا يقدم نموذجا للتحجر في تقاليد الموضة لا مثيل له ، وهو يصل في هذا الحد إلى قوالب شكلية تكاد ترقى إلى مرتبة القواعد القانونية السلوكية ، فالفلاح الذي لم يمكن يملك أكثر من قسط معين من الأرض لم يكن يسمح له بأن يبني منزلا يزيد طوله عن اتساع معين بل ولم يكن يسمح له بأن يقدم السمك أو أي مأكولات مشوية في حفلة زواجه أو زواج ابنته وأبناء أسرته لم يكن يسمح لهم بلبس الأحذية الجلدية .
ظاهرة الموضة بهذا المعنى لم تخضع للدراسة العلمية إلا منذ فترة قصيرة ، والذي يعنينا في تحليل الظاهرة ان تكشف تلك الأبعاد الديناميكية التي تسح بفهم وظيفتها كمظهر من مظاهر التعبير عن السلوك الاجتماعي ، لماذا تنتشر في لحظة معينة ؟ ولماذا موضة بعينها تنتشر بسرعة وتختفي بسرعة وأخرى تظل أكثر ثباتا وأكثر استقرارا ؟