محاضرة
العولمة بين الايجابيات والسلبيات
أ.د/ كمال الأسطل
أولاً: نشأة ومفهوم العولمة
لقد بدأت العولمة أساساً من الولايات المتحدة الامريكية، حيث برزت نظرياً دعوة لتبني النموذج الامريكي في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم باعتبارها نمو حياة متطورة وقد عزز من بروز هذه الظاهرة مخرجات الثورة العلمية والتقنية التي مثلت نقلة نوعية في تطور الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية التي ظهرت في منتصف القرن الثامن عشر في أوربا وتوسعت وانتشرت في الولايات المتحدة الامريكية بعد ذلك، حيث أصبح استخدام الطاقة مغيراً جذرياً لأسلوب علاقات الانتاج، لتبدأ معها مرحلة جديدة من مراحل التطور الانساني أتصفت بالتوسع الاقتصادي والبحث عن الموارد الطبيعية وفتح الاسواق العالمية وهي المسببات التي أدت الى ظهور الاستعمار التقليدي وقيام الحروب الاوربية والحربين العالميتين.
يطرح روبرت هولتون “Robert Holton” في تناوله للعولمة مشيرًا إلى أن عمليات التغير التي قادت إلى العولمة أخذت شكلاً تراكميًا حيث كانت هناك عولمات صغيرة سابقة للعولمة الموجودة في الوقت الحالي، من بينها التوسعات الإمبريالية، والتجارة التي أدت إلى نقل البضائع والثقافات، وانتشار الأديان بالإضافة إلى تجارة الرقيق، وكلها سمات للتاريخ الإنساني منذ الالاف السنوات، وبالإضافة إلى دور الغرب في ذلك هناك اسهامات العرب والمسلمين وشعوب البحر المتوسط.
وفيما يتعلق بظهور العولمة كمفهوم، فإنه يعود إلى مرحلة الستينيات، حيث يعد عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان “M.Mcluhan” هو أول من أشار إلى مفهوم “القرية الكونية”.
تعددت مفاهيم العولمة وفقا للكثير من الكتاب والباحثين والعلماء والسياسيين، إذ ينظرون لها حسب اختصاصاتهم وتوجهاتهم الفكرية والعلمية والسياسية؛ لذا فإن إعطاء تعريف دقيق للعولمة تبدو حالة معقدة لأنهم يفسرون العولمة من خلال ما أفرزته من تخيلات وتصورات وتفسيرات ايديولوجية، وبشكل عام يمكن تعريف العولمة على أنها “اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة ضمن إطار رأسمالية حرية الأسواق، وتاليا الى اختراق الحدود القومية والى الانحسار الكبير في سيادة الدولة”.
ثانيًا: أبعاد العولمة
1- العولمة المالية: وتصف السوق العالمية الآتية للنتاجات المالية المتعامل بها في “المدن المالية” عبر العالم على مدى أربعة وعشرين ساعة يومياً.
2- العولمة التكنولوجية: وتصف المجموعة المترابطة من تكنولوجيات الكمبيوتر والاتصالات وعملية ربطها بالأقمار الصناعية والتي نجم عنها أنضغاط “الزمان/ والمكان” والانتقال الفوري للمعلومات عبر العالم..
3- العولمة الاقتصادية: وتصف نظم الانتاج المتكامل الجديدة التي تمكن “الشركات الكونية” من استغلال المال والعمل عبر العالم على أتساعه.
4- العولمة الثقافية: وتشير الى استهلاك “النتاجات الكونية” عبر العالم، وتعني ضمناً في أكثر الاحيان التأثير المهيمن كما في تعبير “الكوكلة Cocacolaization وعالم ماك McWorld.
5- العولمة السياسية: وتمثل أنتشار الاجندة “الليبرالية الجديدة” المؤيدة لخفض أنفاق الدولة، والتحرير التشريعي، والخصخصة “والاقتصاديات المفتوحة” بوجه عام.
6- العولمة البيئية: وهي الخشية من أن تتجاوز الاتجاهات الاجتماعية الراهنة قدرة كوكب الارض على البقاء ككوكب حي، وهي تطمح الى أن تصبح “عولمة سياسية خضراء”.
7- العولمة الجغرافية: وتتعلق بإعادة تنظيم الحيز أو المساحة في الكوكب بإحلال الممارسات المتعددة للدولة القومية محل الممارسات “الدولية” في عالم تذوب فيه الفواصل الحدودية بصورة متزايدة، عالم سينظر إليه في أغلب الاحيان على إنه شبكة من “المدن العالمية”.
8- العولمة السوسيولوجية: هي ذلك الخيال الجديد الذي يستشرف ظهور “مجتمع عالمي” واحد، أو كل اجتماعي مترابط يتجاوز حدود المجتمعات القومية.
إن هذه الابعاد الثمانية مترابطة بطرق عديدة معقدة وهي ذاتها موضوع نقاش وخلاف أكاديمي كبير ومن هنا يأتي التردد السائد في موضوع التسمية ما بين الكوكبة والكونية أو العالمية والعولمة وربما ناتج من الابعاد الواسعة التي يشملها المفهوم والتغيرات الكمية والكيفية التي تحدث في العلاقات بين النشاطات الاقتصادية في مجال الاسواق العالمية والنشاطات السياسية بين الدول. وشكلت هذه الافكار حقبة جديدة، تتسم بالارتباط والتفاعل في المجال الاقتصادي ولا بد أن يثير هذا التدشين الجديد في العلاقات الاقتصادية وأبعاده الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.